من المعلوم أن عبارة " الله أكبر " عند المسلمين ترفع عند الآذان للصلوات الخمس ، وتردد في كل الصلوات ركوعا وسجودا، وترفع في الجهاد ، وترفع في الضراء وحين البأس ، وتقال عند الانبهار بعظيم سلطان الله تعالى ، فما هي دلالتها ؟ أما اسم الجلالة " الله " جل جلاله فهو اسم رب العالمين الإله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤ أحد المنفرد بالوجود الحقيقي المنعوت بالصفات الإلهية ، وهو الاسم الدال على الذات الإلهية الجامعة لصفاتها . ولا يطلق هذا الاسم على أحد حقيقة ولا مجازا إلا على الله سبحانه وتعالى. واسم الجلالة بهذا المعنى لا يضاف إليه إلا ما ينسجم معه من صفات وأسماء ، لهذا تليه لفظة " أكبر " وهي في اللسان العربي صيغة " أفعل " التي تستعمل في الصفة المشبهة باسم الفاعل وفي اسم التفضيل .
أما استعمالها في الصفة المشبهة باسم الفاعل فللدلالة على حال تعلق بذات على وجه الإطلاق والمقصود بالإطلاق نسبة الحال إلى الموصوف بها دون اعتبار عامل الزمن ولهذا تختلف الصفة المشبهة عن اسم الفاعل الذي يدل على حال تعلق بذات لزمن معلوم ودون إطلاق. وأما استعمالها في اسم التفضيل فللدلالة على وصف موصوف بزيادة على غيره الذي يشاركه في الوصف ويفضل هذا الغير فيه . ومن الواضح أن لفظة "أكبر" لا تدل صيغتها على تفضيل عندما تضاف إلى اسم الجلالة " الله " لأنه سبحانه لا يوجد له كفؤ يشاركه صفة الكبر ولا يجوز أن يدخل أحد معه التفاضل في صفاته ، ولا يستقيم القول بأنه سبحانه يزيد على غيره في الصفة ويفضله كما تدل على ذلك صيغة التفضيل في اللسان العربي . وقد يقال إن لفظة " أكبر " إذن تدل على صفة مشبهة كما مر تعريفها إذ تدل على صفة الكبر العالقة بالذات الإلهية مطلقا دون اعتبار الزمن . والحقيقة أن لفظة " أكبر " المضافة إلى اسم الجلالة أكثر من صفة مشبهة ويجب أن نقول إنها صيغة تقديس خاصة برب العزة سبحانه حتى لا تلتبس بالصفة المشبهة التي تطلق على غير الله أو بصيغة التفضيل . فالصفة المشبهة مع أنها تطلق على الحال العالقة بالذات على وجه الإطلاق فإنها لا تفيد الإطلاق المتعلق بالذات الإلهية ذلك أنه قد يوصف غير الله تعالى بصفة أكبر علما بأن الصفة المشبهة من فعل كبر هي كبير ولكن قد تستعمل صيغة أكبر للدلالة على حلية إذا لم يكن المقام مقام تفضيل فيتعلق الأمر حينئذ بصيغة اسم تفضيل لا بصيغة صفة مشبهة باسم الفاعل . ولفظة " أكبر " على اعتبار أنها إحدى صيغ الصفة المشبهة باسم الفاعل وبالرغم من دلالتها على الإطلاق غير المقيد بزمن فإنها عندما تطلق على غير الله تعالى يكون إطلاقها غير الإطلاق المتعلق بالله عز وجل لأن ما سواه من المخلوقات رهين بالزمن الذي خلقه الله عز وجل ، ولا يرتهن الله تعالى بزمن هو خالقه . ولفظة التقديس " أكبر " التي تلي اسم الجلالة تدل على كل صفات الله تعالى تماما كما يدل عليها اسم الجلالة "الله" ذلك أن الله عز وجل بصفة أكبر هو الأول والآخر والظاهر والباطن والخالق .... على غير ذلك من الأسماء والصفات .
فالأكبر هو كذلك لأنه الموجد لكل ما سواه والسابق على وجود ما سواه والباقي بعد ما سواه ، والواسع لكل ما سواه ولا يسعه سواه، والمدرك لما سواه ولا يدكه سواه ، والمحيط بما سواه ولا يحيط به سواه ، والعالم بما سواه ولا يعلمه سواه ولا يحيط بعلمه سواه ، والقادر على ما سواه ولا يقدر عليه سواه ، والنافع والضار لسواه ولا ينفعه ولا يضره سواه ، والكالىء لما سواه ولا يكلؤه سواه ، وهكذا تتولى صفات الله تعالى الواجبة في حقه بموجب صفة التقديس " أكبر " التي تلحق باسمه الأعظم اسم الجلالة " الله " لهذا جعلها الله تعالى شعار النداء للصلاة وهي أعظم عبادة تعبد بها الله تعالى عباده المؤمنين ، فالذي يتلفظ بعبارة "الله أكبر" يكون قصده الإشارة إلى الذات الإلهية المقدسة بكل صفاتها المثلى وأسمائها الحسنى . ولهذا يروى أن أحد الصالحين كان إذا كبر تكبيرة الإحرام في الصلاة اعترته حالة من الهلع من فرط الخشوع وبكى وارتعدت فرائصه وربما أغمي عليه ، فلما سئل عن الحال التي تعتريه قال : إني أخشى أن أكون منافقا ، فقيل له وما ذاك قال : أخشى أن يشهد لساني عند تكبيرة الإحرام باسم التقديس " أكبر" المنسوب لله تعالى ثم إذا دخلت في صلاتي انتابني السهو مع المخلوقات فكانت عندي أكبر من رب العزة لانشغال قلبي بها دونه فيكون المال والولد أكبر في نفسي وأنا في صلاة أريد لها أن تكون لله تعالى لا يشغل المصلي عنه شيء لأنه الله أكبر. ومما له علاقة باسم التقديس " أكبر" اسم الله الأعظم بصيغة " الكبير " وهي من صيغ الصفة المشبهة باسم الفاعل في اللسان العربي وتدل على ذي الكبرياء ، والكبرياء كمال الذات ، وكمال الذات كمال الوجود ، و عن كمال الوجود تصدر كل الموجودات ، ومن كمال الوجود دوامه أزلا وأبدا . وأخيرا هل نحن المسلمين في مستوى عبارة " الله أكبر " التي تلوكها الألسنة ولا تستوعبها القلوب اللاهية المنشغلة بما هو أصغر ، ولا أصغر من الدنيا الفانية التي تشغلنا . فالمصلي اللاهج بالتكبير يجب أن تكون الصلاة قرة عينه كما كانت قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولا يوجد أحب منها عنده لأن فيها عبارة " الله أكبر " والمجاهد الصادح بالله أكبر يجب ألا يخشى بعد ذلك شيئا مما هو دون الله عز وجل ، وأن يستيقن أن الله ناصره أو قابضه إليه شهيدا وهو في الحالتين فائز ، ولهذا لا يعد موته موتا بل حياة خالدة عكس ما يظن الواهمون .
والمستجير من الكرب برفع عقيرته بالله أكبر إنما يجب عليه أن يستيقن أن المسيطر على الكرب هو رب العزة جل جلاله فتعود إليه طمأنينة النفس بعد فزعها وجزعها . والمستعظم لعظمة الله تعالى المنفعل بقول الله أكبر ساعة انفعاله يجب أن يدرك أن الله تعالى قد كشف عن قلبه الغطاء ليدرك ربه من خلال عظمته ومن خلال أثره لأنه سبحانه لا يدرك في ذاته وإنما يدرك بآثاره وعظمة الآثار دليل على عظمة الذات . أما اللاهج بعبارة " الله أكبر عبثا " في كل سياقات الكلام فمسيء أدب مع الله عز وجل ولا عذر له مهما كان حاله لأنه لا يقدر الله حق قدره . وأخيرا أقول : "الله أكبر" كما يشاء الله تعالى وكما يرضى وبها ألقى الله تعالى ، وبها أستجير من ذنوبي ما علمت وما جهلت وما أعلنت وما أسررت وما تعمدت وما لم أتعمد ، وبها أقف بين يدي ربي الكريم الغفور الرحيم يوم ألقاه ليس لي زاد سواها مع أني لضعفي لا أطيق استعمالها على الوجه المطلوب ولكن شهد الله أني أبرأ من كل استعمال لها لا يليق بجلال وعظمة الله عز وجل كان مني سهوا أو غفلة أو عجزا أو ضعفا ، وأبرأ إلى الله تعالى من كل ذنب ومعصية اقترفتها سهوا أو عمدا وأنا أحمل في صدري عبارة " الله أكبر " وأرددها بلساني .